إبراهيم الخليل يصدق الرؤيا … قواعد وفوائد

يقول الله (عز وجل): ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)﴾ [سورة الصافات].

رأى إبراهيم (عليه السلام) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل (عليه السلام)، ففسره على أنه أمر من الله (عز وجل) بأن يفعل ذلك في الواقع، أو أن يُصدِّق هذه الرؤيا، وهو الابتلاء الإلهي العظيم والأمر الإلهي لهما (عليهما السلام)، والذي امتثلا له، فرفع الله (تعالى) عنهما البلاء، وفدى إسماعيل (عليه السلام) بذبح عظيم جزاء لتقواهما وصبرهما.

ومن خلال هذه الرؤيا نناقش مدى إلزام الرائي بتصديق رؤياه في الواقع كما رآها في المنام، أو بمعنى آخر: هل يجب على الرائي أن ينفذ ما رآه في المنام كما رآه في الواقع كما فعل إبراهيم (عليه السلام) مع ابنه إسماعيل (عليه السلام)؟ فمثلا: إذا رأى مسلم في المنام أنه يتصدق على فقير يعرفه، أو يتزوج من امرأة يعرفها، أو يسافر إلى بلد ما، هل يجب عليه تصديق هذه الرؤيا، أو تنفيذ ما رآه فيها في الواقع بأن يتصدق على الفقير الذي رآه في المنام، أو يتزوج من المرأة التي رآها في المنام، أو يسافر إلى البلد التي رآها في المنام؟

جاء في الأثر الصحيح عن عبيد بن عمير أن رؤيا الأنبياء وحي؛ لقول الله (تعالى): ﴿قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾، وقد ورد مثل هذا الكلام أيضا عن عبد الله بن عباس (رضي الله تعالى عنهما).

وقولهم إن رؤيا الأنبياء وحي، ثم استدلالهم بالآية الكريمة يحتمل أكثر من معنى:

أولا: أن الرؤى التي يراها الأنبياء تكون جميعها أو بعضها أوامر إلهية واجبة التنفيذ كما حدث مع إبراهيم (عليه السلام) في الرؤيا المذكورة.

ونحن لا ننكر أن بعض رؤى الأنبياء يمكن أن تكون أمرا مباشرا يجب على النبي تصديقه أو تحقيقه في الواقع كما رآه، ولكن ذلك لا يمكن تعميمه على جميع رؤى الأنبياء، بدليل أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد رأى رؤى عديدة، ومع ذلك فلم تكن أوامر مباشرة له بفعل شيء، ولا كانت واجبة التصديق كما رآها.

وبالتالي، فالقول بأن رؤيا الأنبياء وحي، لا يمكن أن تعني أن جميعها أوامر مباشرة واجبة التصديق.

ثانيا: أن الرؤى التي يراها الأنبياء صادقة، بمعنى أنها تكون من الله (تعالى)، وتكون ذات معانٍ، فلا يدخل فيها حديث النفس أو الشيطان. وهذا هو الأقرب إلى الصواب، والأولى بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام).

وهكذا، ليس معنى أن رؤى الأنبياء جميعها صادقة، أنها يجب أن تكون كلها أوامر إلهية مباشرة لهم أو أنهم يجب عليهم تنفيذها كما رأوها، بل ربما لا يعدو هذا الأمر كونه استثناء كما في رؤيا إبراهيم (عليه السلام).

أما بخصوص رؤيا المسلم العادي، فيختلف حكم تصديقها من راءٍ لآخر ومن رؤيا لأخرى، وقد ينطوي على شروط ومحاذير مهمة، فربما يكون تصديق المسلم لرؤياه كما رآها واجبا أحيانا، ومستحبا أحيانا، ومكروها أحيانا، وحراما أحيانا.

والقاعدة الأساسية في ذلك هو أنه لا يجوز تصديق المسلم لرؤيا بارتكاب عمل حرام، كرؤيا المسلم لنفسه في المنام يقتل، أو يسرق، أو يشرب خمرا، أو غير ذلك من الأمور التي حرمها الله (عز وجل)، فلا يجوز للمسلم أن يقوم بتنفيذ ما رآه في هذه الرؤى وأمثالها؛ لأن الرؤيا ليست حَكَما على الشرع، فلا يجوز من خلالها تحليل حراما.

يجب على المسلم تصديق الرؤيا التي رأى نفسه فيها يقوم بواجب شرعي لا يقوم به في الواقع، أو يتوب من حرام يفعله في الواقع، كرؤيا من لا يصلي لنفسه في المنام أنه يصلي، أو رؤيا شارب الخمر لنفسه أنه قد تاب من ذلك، ففي هذه الحالة يكون تصديق الرؤيا واجبا، وتكون بمثابة الرؤيا التحذيرية لمن يراها.

الرؤيا التي يقوم فيها الرائي بمعروف غير واجب، وهو يقدر على عمله في اليقظة، كأن يرى نفسه في المنام يتصدق على مسكين يعرفه، أو أن يرى نفسه يسأل عن أحوال صديق قديم من أصدقاء الخير، فتصديق مثل هذه الرؤى مستحب، لكنه غير ملزم، وليزن الرائي الأمر بميزان المصالح والمنافع، والمفاسد والأضرار، واليسر والعسر في أمثال هذه الأمور قبل الإقدام عليها.

الرؤيا التي فيها تقييد لأمر مباح أو نهي عنه، ينظر في وجوب تصديقها بحسب المصالح والمفاسد، كمسلم أراد أن يتزوج من امرأة نصرانية، فرأى نفسه في المنام أنه لا يتزوجها، فليعيد النظر في مسألة زواجه منها، لعل الضرر منه يكون أكبر من المنفعة، أو كرؤيا مسلم لنفسه يمتنع عن طعام حلال، فلينظر إن كان في هذا الطعام مشكلة له كأن يتسبب له في ضرر صحي لعضو مريض في جسده مثلا.

الرؤيا التي يقوم فيها الرائي بعمل حلال قد تترتب عليه أضرار أو مشاكل، كرؤيا المسلم لنفسه يطلق زوجته أو يتزوج بغيرها أو رؤيا نفسه يدخل في عمل مؤذٍ أو فيه مخاطرة، فلا يجب على المسلم هنا تصديق الرؤيا التي قد تجلب عليه وعلى غيره الأذى أو الضرر، إلا إذا كان الرائي قد عزم على ذلك فعلا، ولديه من الأسباب المهمة والمعتبرة والإمكانيات الواقعية التي تجعله يقدم على هذا العمل وهو مُرضٍ لله (تعالى) ومرتاح الضمير.

الرؤيا التي في تصديقها مشقة أو أمر لا يطيقه الرائي، كأن يرى نفسه يحج وهو غير مستطيع، أو يشتري ما لا يقدر على شرائه في الواقع إلا بالكاد، فهنا لا ينصح الرائي بتصديق رؤياه، وليدعو الله (تعالى) بأن يذلل له أسباب الخير وأن يصرف عنه أسباب الشر.

وقد جاء في الأثر الصحيح ما قد يدل على أن تصديق الرؤى مستحب عموما في أعمال الخير والمعروف، فقد روي أن خزيمة بن ثابت رأى – فيما يرى النائم – أنه سجد على جبهة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فأخبره، فاضطجع له، وقال: »صدِّق رؤياك». فسجد على جبهته. (صحيح – تخريج مشكاة المصابيح)

نُشر بواسطة Jamal Hussein

Dream interpretation researcher and analyst

رأيان على “إبراهيم الخليل يصدق الرؤيا … قواعد وفوائد

إضافة تعليق